فصل: تفسير الآيات (69- 72):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (69- 72):

{وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71) وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72)}
قوله عز وجل: {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} نزلت في معاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر حين دعاهم اليهود إلى دينهم، فنزلت: {وَدَّتْ طَائِفَةٌ} تمنيت جماعة من أهل الكتاب يعني اليهود {لَوْ يُضِلُّونَكُمْ} عن دينكم ويردونكم إلى الكفر {وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}.
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} يعني القرآن وبيان نعت محمد صلى الله عليه وسلم {وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} أن نعته في التوراة والإنجيل مذكور.
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} تخلطون الإسلام باليهودية والنصرانية، وقيل: لم تخلطون الإيمان بعيسى عليه السلام وهو الحق بالكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم وهو الباطل؟ وقيل: التوراة التي أنزلت على موسى بالباطل الذي حرفتموه وكتبتموه بأيديكم {وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أن محمدًا صلى الله عليه وسلم ودينه حق.
قوله تعالى: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا} الآية. قال الحسن والسدي: تواطأ اثنا عشر حبرا من يهود خيبر وقرى عيينة وقال بعضهم لبعض: ادخلوا في دين محمد أول النهار باللسان دون الاعتقاد ثم اكفروا آخر النهار وقولوا: إنا نظرنا في كتبنا وشاورنا علماءنا فوجدنا محمدًا ليس بذلك، وظهر لنا كذبه، فإذا فعلتم ذلك شك أصحابه في دينهم واتهموه وقالوا: إنهم أهل الكتاب وهم أعلم منَّا به فيرجعون عن دينهم.
وقال مجاهد ومقاتل والكلبي هذا في شأن القبلة لما صرفت إلى الكعبة شق ذلك على اليهود، فقال كعب بن الأشرف لأصحابه: آمنوا بالذي أنزل على محمد من أمر الكعبة وصلوا إليها أول النهار ثم اكفروا وارجعوا إلى قبلتكم آخر النهار لعلهم يقولون هؤلاء أهل الكتاب وهم أعلم فيرجعون إلى قبلتنا، فأطلع الله تعالى رسوله على سرهم وأنزل: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا} {بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ} أوله سمي وجهًا لأنه أحسنه وأول ما يواجه الناظر فيراه {وَاكْفُرُوا آخِرَه لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} فيشكون ويرجعون عن دينهم.

.تفسير الآية رقم (73):

{وَلا تُؤْمِنُوا إِلا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73)}
قوله تعالى: {وَلا تُؤْمِنُوا إِلا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} هذا متصل بالأول من قول اليهود بعضهم لبعض {وَلا تُؤْمِنُوا} أي لا تصدقوا {إِلا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} وافق ملتكم واللام في {لمن} صلة، أي لا تصدقوا إلا من تبع دينكم اليهودية كقوله تعالى: {قل عسى أن يكون ردف لكم} [72- النحل] أي: ردفكم. {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} هذا خبر من الله عز وجل أن البيان بيانه ثم اختلفوا: فمنهم من قال: كلام معترض بين كلامين، وما بعده متصل بالكلام الأول، إخبار عن قول اليهود بعضهم لبعض، ومعناه: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من العلم والكتاب والحكمة والآيات من المنِّ والسلوى وفَلْق البحر وغيرها من الكرامات. ولا تؤمنوا أن يحاجّوكم عند ربكم لأنكم أصح دينًا منهم. وهذا معنى قول مجاهد.
وقيل: إن اليهود قالت لسفلتهم {وَلا تُؤْمِنُوا إِلا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} {أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ} من العلم أي: لئلا يؤتى أحد، ولا فيه مضمرة، كقوله تعالى: {يبيِّن الله لكم أن تضلوا} [النساء- 176] أي: لئلا تضلوا، يقول: لا تصدقوهم لئلا يعلموا مثل ما علمتم فيكون لكم الفضل عليهم في العلم، ولئلا يحاجوكم عند ربكم فيقولوا: عرفتم أن ديننا حق، وهذا معنى قول ابن جريج.
وقرأ الحسن والأعمش {إنْ يُؤْتَى} بكسر الألف، فيكون قول اليهود تامًا عند قوله: {إِلا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} وما بعده من قول الله تعالى يقول: قل يا محمد {إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى} أن بمعنى الجحد، أي ما يؤتي أحد مثل ما أوتيتم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم {أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ} يعني: إلا أن يجادلكم اليهود بالباطل فيقولوا: نحن أفضل منكم، فقوله عز وجل: {عِنْدَ رَبِّكُمْ} أي عند فضل ربكم بكم ذلك، وهذا معنى قول سعيد بن جبير والحسن والكلبي ومقاتل. وقال الفراء: ويجوز أن يكون أو بمعنى حتى كما يقال: تعلق به أو يعطيك حقك أي حتى يعطيك حقك، ومعنى الآية: ما أعطي أحد مثل ما أعطيتم يا أمة محمد من الدين والحجة حتى يحاجوكم عند ربكم.
وقرأ ابن كثير {آنْ يُؤْتَى} بالمد على الاستفهام وحينئذ يكون فيه اختصار تقديره: أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا معشر اليهود من الكتاب والحكمة تحسدونه ولا تؤمنون به، هذا قول قتادة والربيع وقالا هذا من قول الله تعالى يقول: قل لهم يا محمد {إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} بأن أنزل كتابا مثل كتابكم وبعث نبيًا حسدتموه وكفرتم به.
{قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاء وَاللَّه وَاسِعٌ عَلِيمٌ} قوله أو يحاجوكم على هذه القراءة رجوع إلى خطاب المؤمنين وتكون أو بمعنى أن لأنهما حرفا شرط وجزاء يوضع أحدهما موضع الآخر أي وإن يحاجوكم يا معشر المؤمنين عند ربكم فقل يا محمد: إن الهدى هدى الله ونحن عليه، ويجوز أن يكون الجميع خطابا للمؤمنين، ويكون نظم الآية: أن يؤتي أحد مثل ما أوتيتم يا معشر المؤكمنين حسدوكم فقل {إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ} وإن حاجوكم {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ}.
ويجوز أن يكون الخبر عن اليهود قد تم عند قوله: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} وقوله تعالى: {وَلا تُؤْمِنُوا} كلام الله يثبِّت به قلوب المؤمنين لئلا يشكُّوا عند تلبيس اليهود وتزويرهم في دينهم، يقول لا تصدقوا يا معشر المؤمنين إلا من تبع دينكم، ولا تصدقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الدين والفضل، ولا تصدقوا أن يحاجوكم في دينكم عند ربكم أو يقدروا على ذلك فإن الهدى هدى الله، و{إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم} فتكون الآية كلها خطاب الله للمؤمنين عند تلبيس اليهود لئلا يرتابوا.

.تفسير الآيات (74- 75):

{يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74) وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)}
قوله تعالى: {يَخْتَصّ بِرَحْمَتِهِ} أي بنبوته {مَنْ يَشَاء وَاللَّه ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.
قوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْه بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} الآية نزلت في اليهود أخبر الله تعالى أن فيهم أمانة وخيانة، والقنطار عبارة عن المال الكثير، والدينار عبارة عن المال القليل، يقول: منهم من يؤدي الأمانة وإن كثرت، ومنهم من لا يؤديها وإن قلت قال مقاتل: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْه بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} هم مؤمنوا أهل الكتاب، كعبد الله بن سلام وأصحابه، {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْه بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} يعني: كفار اليهود، ككعب بن الأشرف وأصحابه، وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله عز وجل: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْه بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} يعني: عبد الله بن سلام، أودعه رجل ألفا ومائتي أوقية من ذهب فأدَّاها إليه، {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْه بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} يعني: فنحاص بن عازُورَاء، استودعه رجل من قريش دينارا فخانه، قوله: {يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} قرأ أبو عمرو وأبو بكر وحمزة {يُؤَدِّهْ} {لا يُؤدهْ} و{نُصْلهْ} و{نُؤتِهْ} و{نُولِّهْ} ساكنة الهاء وقرأ أبو جعفر وقالون ويعقوب بالاختلاس كسرا، والباقون بالإشباع كسرا، فمن سكن الهاء قال لأنها وضعت في موضع الجزم وهو الياء الذاهبة، ومن اختلس فاكتفى بالكسرة عن الياء، ومن أشبع فعلى الأصل، لأن الأصل في الهاء الإشباع، {إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} قال ابن عباس مُلِحًّا يريد يقوم عليه يطالبه بالإلحاح، وقال الضحاك: مواظبًا أي تواظب عليه بالاقتضاء، وقيل: أراد أودعته ثم استرجعته وأنت قائم على رأسه ولم تفارقه ردّه إليك، فإن فارقته وأخرته أنكره ولم يؤدهِ {ذَلِكَ} أي: ذلك الاستحلال والخيانة، {بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأمِّيِّينَ سَبِيلٌ} أي: في مال العرب إثم وحَرَجَ كقوله تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} وذلك أن اليهود قالوا: أموال العرب حلال لنا، لأنهم ليسوا على ديننا ولا حرمة لهم في كتابنا، وكانوا يستحلون ظلم من خالفهم في دينهم.
وقال الكلبي: قالت اليهود إن الأموال كلها كانت لنا فما في يد العرب منها فهو لنا وإنما ظلمونا وغصبونا فلا سبيل علينا في أخذنا إياه منهم.
وقال الحسن وابن جريج ومقاتل: بايع اليهود رجالا من المسلمين في الجاهلية فلما أسلموا تقاضوهم بقية أموالهم فقالوا: ليس لكم علينا حق، ولا عندنا قضاء لأنكم تركتم دينكم، وانقطع العهد بيننا وبينكم وادعوا أنهم وجدوا ذلك في كتبهم فكذبهم الله عز وجل وقال عز من قائل: {وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} ثم قال ردا عليهم:

.تفسير الآية رقم (76):

{بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76)}
{بَلَى} أي: ليس كما قالوا بل عليهم سبيل، ثم ابتدأ فقال: {مَنْ أَوْفَى} أي: ولكن من أوفى {بِعَهْدِهِ} أي: بعهد الله الذي عهد إليه في التوراة من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن وأداء الأمانة، وقيل: الهاء في عهده راجعة إلى الموفي {وَاتَّقَى} الكفر والخيانة ونقض العهد، {فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبّ الْمُتَّقِينَ}.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، أنا محمد بن إسماعيل، أنا قبيصة بن عقبة، أنا سفيان عن الأعمش عن عبد الله بن مُرّة عن مسروق عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا ومن كانت فيه خَصلةٌ منهن كانت فيه خصلةٌ من النفاق حتى يدعها: إذا ائتُمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر».

.تفسير الآية رقم (77):

{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)}
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} قال عكرمة: نزلت في رؤوس اليهود، كتموا ما عهد الله إليهم في التوراة في شأن محمد صلى الله عليه وسلم وبدّلوه وكتبوا بأيديهم غيره وحلفوا أنه من عند الله لئلا يفوتهم المآكل والرشا التي كانت لهم من أتْباعهم.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، أنا محمد بن إسماعيل، أنا موسى بن إسماعيل، أنا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حلف علي يمين صَبْرٍ يقتطع بها مالَ امرِئٍ مسلم لقيَ الله يومَ القيامة وهو عليه غضبان» فأنزل الله تعالى تصديق ذلك {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} إلى آخر الآية، فدخل الأشعث بن قيس فقال: ما يحدثكم أبو عبد الرحمن؟ فقالوا: كذا وكذا، فقال: فيّ أنزلتْ كانتْ لي بئرٌ في أرض ابن عم لي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثتهُ فقال: «هات بينتَكَ أو يمينه» قلت: إذًا يحلفُ عليها يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حلف على يمين صَبْرٍ وهو فيها فاجرٌ يقتطع بها مالَ امرئٍ مسلم لقي الله يوم القيامة وهو عليه غضبان».
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد الفارسي أنا محمد بن عيسى الجلودي، أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أنا مسلم بن الحجاج أنا قتيبة بن سعيد أنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن علقمة بن وائل بن حجر، عن أبيه قال: جاء رجل من حضرموت ورجل من كِنْدة إلى النبي، فقال الحضرمي: يا رسول الله إن هذا قد غلبني على أرض لي كانت لأبي، فقال الكندي: هي أرض في يدي أزرعها، ليس له فيها حق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي: «ألك بينة؟» قال: لا قال: «فلك يمينه» قال: يا رسول الله إن الرجل فاجرٌ لا يبالي على ما يحلف عليه، قال: «ليس لك منه إلا ذلك» فانطلق ليحلف له، فلما أدبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمَا لِئَن حلف على ماله ليأكله ظلما ليَلْقَيَنَّ الله وهو عنه مُعْرِض» ورواه عبد الملك بن عمير عن علقمة، وقال هو امرؤ القيس بن عابس الكندي وخصمه ربيعة بن عبدان.
وروي لما همّ أن يحلف نزلت هذه الآية فامتنع امرؤ القيس أن يحلف، وأقر لخصمه بحقه ودفعه إليه. أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد السرخسي، أنا أبو مصعب عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن سعيد بن كعب عن أخيه عبد الله بن كعب بن مالك عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من اقتطع حقَّ امرئٍ مسلم بيمينه حرّم الله عليه الجنة وأوجب له النار» قالوا: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ قال: «وإن كان قضيبا من أراك» قالها ثلاث مرات.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، أنا محمد بن إسماعيل، أنا عمرو بن محمد، أنا هشيم بن محمد أنا العوام بن حوشب عن إبراهيم بن عبد الرحمن عن عبد الله بن أبي أوفى أنّ رجلا أقام سلعة وهو في السوق فحلف بالله لقد أُعطي بها ما لم يعط ليُوقع فيها رجلا من المسلمين، فنزلت: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا}.
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ} أي: يستبدلون {بِعَهْدِ اللَّهِ} وأراد الأمانة، {وَأَيْمَانِهِمْ} الكاذبة {ثَمَنًا قَلِيلا} أي: شيئا قليلا من حطام الدنيا، {أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ} لا نصيب لهم {فِي الآخِرَةِ} ونعيمها، {وَلا يُكَلِّمُهُم اللَّهُ} كلاما ينفعهم ويسرهم، وقيل: هو بمعنى الغضب، كما يقول الرجل: إني لا أكلم فلانا إذا كان غضب عليه، {وَلا يَنْظُر إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي: لا يرحمهم ولا يحسن إليهم ولا يُنيلهم خيرًا، {وَلا يُزَكِّيهِمْ} أي: لا يثني عليهم بالجميل ولا يطهرهم من الذنوب، {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أنا عبد الغفار بن محمد الفارسي، أنا محمد بن عيسى الجلودي، أنا إبراهيم بن محمد، أنا سفيان، أنا مسلم بن الحجاج، أنا محمد بن جعفر، عن شعبة عن علي بن مُدرك عن أبي زرعة عن خرشة بن الحر عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم» قال: قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات فقال أبو ذر: خابوا وخسروا مَنْ هم يا رسول الله؟ قال: «المُسبل والمنّان والمنفق سلعته بالحَلِفَ الكاذب» في رواية: «المسبل إزاره».
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي، أنا أسيد أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي أنا أبو نصر محمد بن حمدويه المروزي، أنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار عن أبي صالح، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم رجل حلف يمينا على مال مسلم فاقتطعه، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد صلاة العصر أنه أعطي بسلعته أكثر مما أعطي وهو كاذب، ورجل منع فضل مالهِ فإن الله تعالى يقول: اليوم أمنعك فضل ما لم تعمل يداك».